منذ فترة ونسمع دعاة كُثر يدعون إلى التدبر والتقليل من أهمية حفظ القرآن أو سماعه بغرض التلذذ بصوت القارئ أو القراءة بغرض الثواب... ويدعون فقط إلى التدبر ثم التدبر ثم التدبر..
ثم تجدهم يحتجون أن نفراً من قراء القرآن من يؤيد الظالمين، وأن الإسلام هو الديانة الوحيدة التي فيها من يهتم بالحفظ لا بالتدبر، وأن التدبر هو ما يغير البشر لا الحفظ ولا السماع ولا القراءة الفاقدة للتدبر..
والكلام على الرغم أن له وجاهة ولكنه يفتقر لعدة أمور منها ما يلي:
١. كثير من الشيوخ والعلماء ممن لهم كتب ورسالات دكتوراة في التدبر من يؤيدون الظالمين من حكام المسلمين حاليا منهم من مات ومنهم من يعيش بيننا الآن. وبدون ذكر أسماءهم... وقد رأيت أيضا من تعمق في التدبر ولم يغير التدبر شيئا في أخلاقه أو موقفه السياسي أو غيره، إذاً هذا ليس مقياساً...هو أمر محمود ومأمورون به ولكنه ليس كل شيء وليس مقياسا للهداية.. ولقد رأينا من القراء من يُصفع بالقلم ويُطرد من المسجد في مصر وهو بالولايات المتحدة الآن لأنه دعا على الظالمين بعد مذبحة رابعة.
٢. القرآن خُص بخاصية أنه سهل الحفظ لمن استعان بالله على ذلك، وقد حث الرسول ﷺ على ذلك عندما قال الحديث المعروف (الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة...إلخ).. والماهر لا يكون ماهرا إلا إذا حفظه وأحكم تلاوته وترتيله، وما نجده في مساجدنا اليوم من ضعف في الحفظ وفي أحكام التلاوة يظهر مدى احتياج المسلمين لحافظ قرآن في كل منطقة على الأقل، وإلا تُركت المساجد لعامل المسجد والذي لا يستطيع أن يقرأ الفاتحة ثم إذا تقدم أحد رواد المسجد من ذوي الشهادات فتجده لا يختلف كثيرا عن عامل المسجد من حيث الحفظ وأحكام التلاوة.
وقد انتشرت مقولة عن عمر بن الخطاب أنه "تعلم سورة البقرة ثمانية أعوام" وقالوا هذا عمر، فكيف بغيره! وكان الرد أن "تعلم الأمر" لا يعني حفظه بل تعلم الأحكام والشرائع الموجودة بسورة البقرة وهي كثيرة فعلا، وقد ذكر أبو عبيد في كتاب القراءات، القراء من أصحاب النبي ﷺ فعد من المهاجرين الخلفاء الأربعة، قال السيوطي: وسبقه إلى ذلك ابن كثير. إذاً قد ثبت أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قد ختم القرآن حفظاً وهذا معنى (القراء) أي (الحُفاظ) في زمننا هذا، بل وذُكر أن بعض الصحابة كانوا يقرأون عليه! وقد ثبت أيضا أنه كان يصلي بالناس صلاة الصبح بسورة يوسف تارة فيبكي ويعلو بكائه حتى تسمعه الصفوف الخلفية عند (إنما أشكو بثي وحزني إلى الله) وقيل أنه كان يتذكر موت رسول الله ﷺ فيبكي عند هذه الآية، وروي أنه صلى بالناس صلاة الصبح بسورة يونس مرة أخرى.. إذاً هو إدعاء غير صحيح. وقد جاء عن عمر أنه قرأ في الركعة الأولى من الصبح الكهف وفي الثانية يوسف. وقد قرأ النبي ﷺ في الركعة الأولى النساء وفي الثانية آل عمران.
وقد زوج الرسول ﷺ رجلا بسور يحفظهن من القرآن فقال له "فهل معك من القرآن شيء قال نعم سورة كذا وسورة كذا لسور سماها فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم قد زوجتكها بما معك من القرآن"
وروي عن الرسول ﷺ أنه قال "يقال لقارئ القرآن اقرأ وارتق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا، فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها"، قال الشيخ محمد شمس الحق العظيم آبادي رحمه الله : " ( يقال ) : أي عند دخول الجنة ( لصاحب القرآن ) : أي من يلازمه بالتلاوة والعمل ، لا من يقرؤه ولا يعمل به.. قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: ويؤخذ من الحديث أنه لا ينال هذا الثواب الأعظم إلا من حفظ القرآن وأتقن أداءه وقراءته كما ينبغي له.. يقول ابن حجر الهيتمي رحمه الله : " الخبر المذكور خاص بمن يحفظه عن ظهر قلب ، لا بمن يقرأ في المصحف ؛ لأن : مجرد القراءة في الخط لا يختلف الناس فيها ، ولا يتفاوتون قلة وكثرة ، وإنما الذي يتفاوتون فيه كذلك هو الحفظ عن ظهر قلب ، فلهذا تفاوتت منازلهم في الجنة بحسب تفاوت حفظهم . ويقول الشيخ الألباني رحمه الله : " اعلم أن المراد بقوله : ( صاحب القرآن ) حافظه عن ظهر قلب ، على حد قوله صلى الله عليه وسلم : ( يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله.. )، أي : أحفظهم. ولكن بشرط أن يكون حفظه لوجه الله تبارك وتعالى ، وليس للدنيا والدرهم والدينار ، وإلا فقد قال صلى الله عليه وسلم : ( أكثر منافقي أمتي قراؤها ). وعن ابن مسعود عن النبي ﷺ أنه قال : ”اقرأوا القرآن فإن الله تعالى لا يعذب قلبا وعى القرآن، وإن هذا القرآن مأدبة الله فمن دخل فيه فهو آمن، ومن أحب القرآن فليبشر “ رواه الدارمي
وروي عن الرسول ﷺ أنه قال "يقال لقارئ القرآن اقرأ وارتق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا، فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها"، قال الشيخ محمد شمس الحق العظيم آبادي رحمه الله : " ( يقال ) : أي عند دخول الجنة ( لصاحب القرآن ) : أي من يلازمه بالتلاوة والعمل ، لا من يقرؤه ولا يعمل به.. قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: ويؤخذ من الحديث أنه لا ينال هذا الثواب الأعظم إلا من حفظ القرآن وأتقن أداءه وقراءته كما ينبغي له.. يقول ابن حجر الهيتمي رحمه الله : " الخبر المذكور خاص بمن يحفظه عن ظهر قلب ، لا بمن يقرأ في المصحف ؛ لأن : مجرد القراءة في الخط لا يختلف الناس فيها ، ولا يتفاوتون قلة وكثرة ، وإنما الذي يتفاوتون فيه كذلك هو الحفظ عن ظهر قلب ، فلهذا تفاوتت منازلهم في الجنة بحسب تفاوت حفظهم . ويقول الشيخ الألباني رحمه الله : " اعلم أن المراد بقوله : ( صاحب القرآن ) حافظه عن ظهر قلب ، على حد قوله صلى الله عليه وسلم : ( يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله.. )، أي : أحفظهم. ولكن بشرط أن يكون حفظه لوجه الله تبارك وتعالى ، وليس للدنيا والدرهم والدينار ، وإلا فقد قال صلى الله عليه وسلم : ( أكثر منافقي أمتي قراؤها ). وعن ابن مسعود عن النبي ﷺ أنه قال : ”اقرأوا القرآن فإن الله تعالى لا يعذب قلبا وعى القرآن، وإن هذا القرآن مأدبة الله فمن دخل فيه فهو آمن، ومن أحب القرآن فليبشر “ رواه الدارمي
٣. سماع القرآن والتلذذ به أيضا من السنة، ويدل عليه حديث أبي موسى عندما كان يستمع له النبي ﷺ والصحابيان أبو بكر وعمر ثم عندما علم بسماع النبي ﷺ اليوم التالي فقال له النبي ﷺ (لو رأيتني وأنا أستمع لقراءتك البارحة، لقد أوتيت مزمارا من مزامير آل داود) فقال (أما إني لو علمت بمكانك لحبرته لك تحبيرا) و قد كان عمر يقدم الشاب الحسن الصوت لحسن صوته بين يدي القوم، وأيضا "أن أبا موسى قام ليلة يصلي ، فسمع أزواج النبي صلى الله عليه وسلم صوته - وكان حلو الصوت - فقمن يستمعن ، فلما أصبح قيل له ، فقال : لو علمت لحبرته لهن تحبيرا" - والتحبير تحسين الصوت وتحزينه - وحديث الرسول ﷺ لابن مسعود (اقرأْ عليّ)، فقال: أَقْرَأُ عليك وعليك أُنْزل؟ فقال ﷺ أحب أن أسمعه من غيري).
وقد كان أكابر قريش ينهون الناس والحجاج أن يستمعوا للقرآن وأن يلغوا فيه لعلهم يغلبون، وقد كانوا يلقون بالأشعار وما شابه قصص القرآن من حكايات القرون السابقة ولكن القرآن كان لوقعه في النفوس شيء آخر، وهذا لما ميزه الله تعالى، وقد حكى قراء عدة عن أسفارهم في بلاد غير المسلمين وأن كثيرا من غير المسلمين قد أسلموا فقط عندما سمعوا تلاوة للشيخ المنشاوي والشيخ عبدالباسط عبدالصمد قد قالها في حوار تليفزيوني له، والشيخ محمود الشحات أنور وغيره وقد سمعت مؤخرا ذلك الأمر من قارئ نادي الصيد الشيخ الشيخ عيد حسن أبو عشرة نفس الأمر من أعاجم لا يفهمون شيئا من القرآن، وقد رأيت ذلك أيضا في مسجد الشيخ شرزاد طاهر بالشارقة على اليوتيوب من يسمتع للقرآن فيدخل المسجد ويحضر الصلوات ولا يصلي ثم يقول (لقد شعرت براحة وأنا أمر بجانب المسجد وسمعت ما ترتلونه ومنذ عدة أيام وأنا آت لأستمع صلواتكم وأريد أن أسأل عن هذا الدين). وهذا بالأعجمي، فكيف بالعربي؟ ألا يتأثر بسماع القرآن من صوت خاشع نديّ؟
وقد كان أكابر قريش ينهون الناس والحجاج أن يستمعوا للقرآن وأن يلغوا فيه لعلهم يغلبون، وقد كانوا يلقون بالأشعار وما شابه قصص القرآن من حكايات القرون السابقة ولكن القرآن كان لوقعه في النفوس شيء آخر، وهذا لما ميزه الله تعالى، وقد حكى قراء عدة عن أسفارهم في بلاد غير المسلمين وأن كثيرا من غير المسلمين قد أسلموا فقط عندما سمعوا تلاوة للشيخ المنشاوي والشيخ عبدالباسط عبدالصمد قد قالها في حوار تليفزيوني له، والشيخ محمود الشحات أنور وغيره وقد سمعت مؤخرا ذلك الأمر من قارئ نادي الصيد الشيخ الشيخ عيد حسن أبو عشرة نفس الأمر من أعاجم لا يفهمون شيئا من القرآن، وقد رأيت ذلك أيضا في مسجد الشيخ شرزاد طاهر بالشارقة على اليوتيوب من يسمتع للقرآن فيدخل المسجد ويحضر الصلوات ولا يصلي ثم يقول (لقد شعرت براحة وأنا أمر بجانب المسجد وسمعت ما ترتلونه ومنذ عدة أيام وأنا آت لأستمع صلواتكم وأريد أن أسأل عن هذا الدين). وهذا بالأعجمي، فكيف بالعربي؟ ألا يتأثر بسماع القرآن من صوت خاشع نديّ؟
وقد قال الشيخ الحصري في كتابه (مع القرآن الكريم): قالوا: ولابد للنفس من الطرب والاشتياق إلى الغناء، فعُوِّضَت عن طرب الغناء بطرب القرآن، كما عوضت عن كل محرم مكروه بما هو خير منه.
٤. أما عن القراءة حتى وإن كانت بلا تدبر: فقد قال ﷺ إن هذه القلوب تصدأ كما يصدأ الحديد إذا أصابه الماء " قيل : يا رسول الله وما جلاؤها ؟ قال : " كثرة ذكر الموت وتلاوة القرآن ". إذاً "كثرة" تلاوة القرآن مجلبة للتدبر، وهذا ما ينصح به نفر من الأكاديميين عند قراءة الكتب أنه ليس بالضرورة أن تقف عند كل كلمة بل اقرأ قراءة متأنية ثم ارجع مجددا وهكذا.
وأيضا حديث (عن أبي أمامة البَاهِلي رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال (اقرؤوا القرآن ، فإنه يأتي يوم القيامة شفيعًا لأصحابه ، اقرؤوا الزَّهراوَينِ البقرة وسورة آل عمران) وحديث (من قرأ حرفا من كتاب الله فله حسنة والحسنة بعشر أمثالها ، لا أقول الم حرف ، ولكن ألف حرف ، ولام حرف ، وميم حرف) وأحاديث أخرى للحث على قراءة القرآن.
ما أود أن أقوله أنه عندما يؤخذ من الدين جزء ويترك أجزاء فقد تركنا خيرا كثيراً، واقتصار القرآن على تلاوته من أجل التدبر فقط وتجاهل الأحاديث والآيات الحاثة على الأوجه الأخرى قد يكون سببا لإيقاف من كانت لديه الهمة العالية في أي من هذه الأوجه أن يبادر، ولعلها تكون سببا في هدايته ومدخلا لباب آخر كالتدبر أو العلم الشرعي وغيره.
وقد قال إبراهيم الخواص: ليس العلم بكثرة الرواية؛ إنما العالم من اتبع العلم، واستعمله، واقتدى بالسنن، وإن كان قليل العلم..
وكذلك أي شيء آخر كحفظ القرآن أو تلاوته وسماعه ليست العبرة بكثرته بل بكيفيته، ولكن هل هذا نداء من إبراهيم الخواص بترك تحصيل العلم والإكتفاء بالقليل منه حتى تطبيقه؟ بالطبع لا، بل قال الله تعالى (وقل رب زدني علماً) إذاً ما الحل للعدل بين الخيرين؟ محاولة الإستزادة مع المجاهدة للتطبيق. فلا يُلام المستزيد المفَرّط بل يُشجع على تطبيق ما استزاد منه ولا يُشجع المقل على جودة اتباعه بل يُحث على الإستزادة مع التطبيق.
وكذلك أي شيء آخر كحفظ القرآن أو تلاوته وسماعه ليست العبرة بكثرته بل بكيفيته، ولكن هل هذا نداء من إبراهيم الخواص بترك تحصيل العلم والإكتفاء بالقليل منه حتى تطبيقه؟ بالطبع لا، بل قال الله تعالى (وقل رب زدني علماً) إذاً ما الحل للعدل بين الخيرين؟ محاولة الإستزادة مع المجاهدة للتطبيق. فلا يُلام المستزيد المفَرّط بل يُشجع على تطبيق ما استزاد منه ولا يُشجع المقل على جودة اتباعه بل يُحث على الإستزادة مع التطبيق.
وأخيرا في مسألة حفظ القرآن الكريم فقد كان غالب قراءة الرسول ﷺ بالمفصل: فطواله للصبح وأوساطه للعشاء وقصاره للمغرب وكان يطيل عن ذلك أحيانا وأحيانا يقصر...
فأذكر نفسي وإياكم على الأقل أن نجتهد في حفظ المفصل كحد أدنى مع تعلم أحكام التلاوة ومن أراد الإستزادة فجزاه الله خيرا ولا يُهاجم ولا يُثبط. ومن لا يقدر إلا على القصار فلا يلوم غيره ولا يثبطه ولا يُلام هو أيضا، ولكن أحببت هنا أن أصحح عدة أمور رأيتها مؤخرا من بعض الدعاة وكأنهم يقولون للناس (لا تحفظوا القرآن، تدبروه فقط ويكفيكم للصلاة قليل من قصار المفصل) وهذا أظنه يمنع خيرا كثيرا عن من لديه همة في الحفظ أو في القراءة أو في سماع القرآن والإكتفاء به عن الأغاني، وهذا الإدعاء لم أجده في السُنة.
وأخيرا أنصح من يقرأ هذا الكلام ولا يكتفي ولا يقتنع أن يقرأ كتاب الشيخ محمود خليل الحصري (مع القرآن الكريم) ففيه الجواب الشافي بإذن الله.