شاهدت منذ فترة فيديو للشيخ محمد راتب النابلسي كان يسأل السؤال: أين الخلل؟ فنحن المسلمون أغلبنا يصلي الصلوات الخمس ويصوم رمضان ويتصدق بماله على الفقير ويحج بيت الله الحرام ويعتمر ولا تنتشر الكبائر بيننا ولا يتم الجهر بها، فغالب الناس لا يسرق ولا يزني ولا يشرب الخمر ومن ابتلي بأي من الكبائر فيفعلها منفردا متستراً، إذن أين الخلل؟ ثم أجاب وقال أن الخلل الذي عند المسلمين هو الغيبة والنميمة والتي هي من حقوق العباد، فقد أعطى الناسُ حقَّ اللهِ تعالى من أركان الإسلام وتجنب الكبائر ولكنهم لم يعطوا العباد حقوقهم سواء بكف ألسنتهم عنهم في غيابهم أو إفساد ذات البين.
ومن هنا أود أن أتكلم عن نقطة أراها هامة جدا، فمثلا أحيانا تجد سيدة وقد صلت صلاة التهجد كاملةً بينما غيرها من مئات الآلاف بل والملايين من المسلمين نائمون عن هذه الصلاة أو لاهون في المقاهي أو أمام المسلسلات ولكنك تجدها بعد الصلاة وقبل الخروج من المسجد تسمع صوتها وهي تتشاجر مع سيدة أخرى! فما فائدة الصلاة إذن؟ وهذه ليست دعوة لعدم الصلاة ولكنها دعوة للتحلي بالصبر والأخلاق ولكنك تعلم وقتها أنه لا علاقة بحق الله وحق العباد.
وقد قابلت في حياتي من هم حريصون جدا على صلوات النوافل والأذكار ولكنهم في الخصام أشر من إبليس، فتجد السباب وهتك لما ائتُمِنَ عليه من أسرار وفُجر في الخصومة من غيبة ونميمة وإن لم يكن بشكل مباشر فبشكل غير مباشر عن طريق الكلام على وسائل التواصل الإجتماعي وما يسمى ب"تلقيح الكلام" حتى يفهم القاصي والدتني عما يتكلم، وكل ذلك عنده له تبريراته ودوافعه وأعذاره وأسبابه، أما تحكيم الشرع في النزاعات وهل ما يُفعل حرام أم حلال.. فلا!
هذا هو داؤنا، والمرعب في الأمر أن تعاهد العبادة ليس بالأمر السهل، فالحج والعمرة والصلاة والنوافل وقراءة القرآن والصيام والقيام كل ذلك ليس أمرا سهلا والمحافظة عليه ليس أمرا سهلا ولكن المرعب أن يقول الرسول صلى الله عليه وسلم أن من فعلت كل هذا ولكنها فقط كانت تؤذي جيرانها فهي في النار! هذا أمر مرعب حقا، لك أن تتخيل حياة هذه السيدة من صلاة وصيام وعبادات وصدقات وكيف كان يراها من حولها من تقوى وتقرب إلى الله وهي في النار قولا واحدا! يا الله...
حديث آخر يقول الرسول صلى الله عليه وسلم عندما طلب منه رجل أن ينصحه بنصيحة واحدة: لا تغضب ويكرر الرجل الطلب فيكرر الرسول صلى الله عليه وسلم الجواب!
وأيضا حديث آخر خلال الصيام أن إذا سابّك أحدأو شاتمك أو قاتلك فلتقل "إني إمرؤ صائم" ... يالهذا الموقف، تخيل معي شخصا يسُبك أو يريد أن يقاتلك، أو يشتمك....وأنت تترك الرد عليه وتقول له أنا صائم، هو في هذه اللحظة سيشعر بنشوة النصر عليك وسيراك ضعيفا وسترى نفسك وقتها ضعيفا وقد تركت حقك وسيفور الدم داخلك وستفكر مائة مرة للرجوع وقول ولو كلمة... ولكن المطلوب منك هو السكوت...هذه بالطبع موقف صعب..
وقد سمعت من قبل من أحد العلماء أن الأفضل عامةً أن تترك حقك إذا جار عليك أحد وظننت أنك إن أخذت حقك فمن المحتمل أن تأخذ فوق حقك، فالأفضل وقتها أن تترك أمرك لله وهو يأخذ لك حقك أو مثلا حين يكون أخذ حقك هو تدني لنفس مستوى المؤذي، فوقتها لن تقوى على تدنيه وإن تدنيت فسيأخذك لمستوى آخر من التدني.
الأمر صعب، وهو ما لا نقرأ عنه وما لا نعرفه، فتجد المساجد ممتلئة ولكن المظالم قائمة، وكأن العبادات مخدر لما اقترفناه في حق بعضنا البعض.
وهنا أخي/أختي الفضلاء نعرف أن حياتنا تنقسم قسمين قسم بيننا وبين الله وقسم بيننا وبين العباد، فإذا أردنا أن نعرف حقيقة أمرنا فلننظر أنفسنا من العباد من حيث العلاقات والغيبة والنميمة والقطيعة والحقد والغل وكلٌ أدرى بنفسه وأمراضها..
"ولا يجرمنكم شنآن قوم على أن لا تعدلوا"
نسأل الله العافية.