Monday, July 20, 2015

عن الخيار المسلح 2

بسم الله الرحمن الرحيم..

منذ التدوينة القديمة بعنوان (عن الخيار المسلح) والنفاش لم ينتهي حول هذا الأمر، هل استخدام السلاح هو الحل أم المسيرات السلمية ؟ مع الوضع في الاعتبار أن الفتيات المسلمات ينتهك عرضهن ويُقتل الشباب في الطرقات وغيرهما من أساليب القمع والظلم والبطش، مما يهين كرامة أي إنسان ويجعل الدعوات للسلمية تقابل بالهجوم والاستنكار والتهكم على من ينادون بها..

ولإجابة هذا السؤال يجب علينا أولا أن نسأل نفس السؤال الذي سألته قبلا: هل هذا الخيار يمنع أو يوقف القتل والانتهاكات ؟ والإجابة بالطبع لا، فلم يتوقف جيش بشار الأسد من كل ذلك بعد المقاومة المسلحة بل ازداد البطش بشكل جنوني غاشم واستخدام الأسلحة الكيماوية وغيرها من الأسلحة المحرمة دوليا بدافع الانتقام بل يزيد إلى التهجير وإبادات قرى ومدن عن بكرة أبيها.

إذاً استخدام السلاح في المقاومة لن يوقف شيئا من الانتهاكات، هذا من الناحية المادية ولم أتكلم عن ناحية شرعية بعد، ثم نأتي لما يليها: ما معنى مقاومة مسلحة ؟ وما شروطها: حسب علمي فهي تحتاج أولا إلى جماعة منظمة ليتم السيطرة على من يحمل السلاح وأن لا يكون استخدام السلاح فرديا ليصبح أداة انتقامية فيما بعد، ثانيا: يحتاج لرؤية استراتيجية، فمن يحارب يجب أن يعلم كيف يحارب لا أن يكون مثلا مهندسا أو طبيبا لا يفقه شيئا في التخطيط العسكري ويُسود له هذا الأمر، ثالثا: دعم مستمر، رابعا: مكان (قاعدة) دائمة للتدريب. وكما ذكرت قبلا يجب أن يتوفر شرط وجود عالم رباني في أرض النزال وليس في بلد آخر يفتي بالحرب ليحارب غيره ويجلس هو في أمان..

أما من الناحية الشرعية فلا أعلم حقا إن كان علينا أن نحذو هذا الحذو أم لا، ولكني أسرد ما أراه من ردود (مادية) للكلام الذي نسمعه هذه الأيام من أشخاص وهميين على مواقع التواصل الاجتماعي بصور وهمية وأسماء وهمية لا نعرف لهم أصلا أو آخرين نعرفهم لكننا نعرف أيضا أنهم خارج مصر ويحرضون من الخارج، يدخلون لشحن الناس نحو هذا الأمر الذي لا أراه سوف يوقف شيئا.. وأكرر أن رأيي هذا لم يبنى على حكم شرعي بل رؤية شاملة للأمر.. أما من يريد أن يجعل الشباب يحارب بشكل همجي انتقامي أو يدفع الإخوان لهذا الأمر فلا أظنه موفقا بل يتبع هواه الذي هو هوانا جميعا بالمناسبة، والله أعلم.

وجدير بالذكر أن سيدنا موسى عليه السلام قاوم فرعون أربعين سنة مقاومة سلمية لأنه لم يكن يملك سواها.. وقاوم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم في مكة مقاومة سلمية بالكلمة ثلاث عشرة أعوام حتى الهجرة حتى أُمر بالقتال..

يأتي سؤال آخر: هل نحن مأمورون بالقتال من الناحية الشرعية هذه الأيام بغض النظر عن الحسابات الأرضية ؟ أنا شخصيا لا أعلم وعلى من يدّعي ذلك أن يأتي بالدليل الشرعي...وجزاكم الله خيرا.

Thursday, July 2, 2015

تقييم التاريخ الإسلامي

السلام عليكم..

أكتب هذه الكلمات بعدما لاحظت الخنوع والمواربة والإنهزام النفسي عند كثير من أبناء التيار الإسلامي، فبالرغم من وجود المرجعية الأقوى والحجة البالغة تجدهم دائمي الإحساس بالهزيمة النفسية، ويتحول الفرد تدريجيا من شخص قوي فخور بمرجعية وتاريخ قويين إلى فرد يحاول أن يخلق لنفسه مرجعية مستقلة مفصلة على مقاسه وتتميز هذه المرجعية أنها متغيرة حسب الظروف.. ونصيحتي لهذه النوعية من الشباب أن يتركوا الساحة قليلا لكي يرتبوا أوراقهم وليسألوا أنفسهم عن ماهية مرجعيتهم ومدى مطاطيتها.

وأنا هنا لا أتكلم عن المرجعية السياسية فقط بل على الصعيد الأخلاقي أيضا، فمثلا ما هو ممنوع في مصر أحيانا يكون مباحا في الدول الأوروبية من إختلاط سافر أو تواجد بمجالس الخمر تحت مسميات وتبريرات لا أصل لها في الدين، وما كان مرفوضا من سباب ونحوه أصبح مبررا أيضا وهكذا. وأنا لست ضد ارتكاب الخطأ فكل ابن آدم خطاء، ولكن أنا ضد تشريع الخطأ واستحلاله أو تمييعه أو التعايش معه.

أما على المستوى السياسي، فسأسرد بعض الأمثلة لكي نعلم أين نحن وكيفية ادراك موقعنا جيدا، فمثلا عندما نستمع لغلاة العلمانيين في الوطن العربي فسوف نسمع ترديدا لكلمة "الدولة العثمانية رجل أوروبا المريض"، وهنا لنا ثلاث وقفات: الأولى وهي أن الدولة العثمانية استمرت حوالي ستمائة عاما، وخلال المائة وعشرين عاما الأخيرة دخلت الدولة العثمانية في حروب ضد روسيا وشرق أوروبا أضعفتها وجعلتها "رجل أوروبا المريض" الذي انتهى بالحرب العالمية الأولى، إذاً نحن هنا نتكلم عن تاريخ مئات السنين، ولا نتكلم عن ظرف واحد خلال حقبة زمنية معينة، وبالتالي يجب تقييم الفترة كلها لا أن نستقطع جزءا ونترك باقي الأحداث، ثانيا: عندما تتكلم مع أي مثقف أوروبي أو أي من متخذي القرار في الغرب فسوف تجد أن السبب الرئيسي لمساندة الإنقلاب في مصر (على سبيل المثال) هو خوفهم من بداية خلافة إسلامية، فتجد الحوار مهما كانت بدايته تنتهي في النهاية إلى فزاعة الخلافة التي من الواضح أنها تركت جروحا في تاريخ هذه الدول على مدار مئات الأعوام والتي أخذت أكثر من مائة عام لكي تسقط وبالتالي تركها لتنشأ من جديد هو أمر مفزع وبالتالي يتم غض الطرف عن أي انتهاك في حق من ينتمون للتيار الإسلامي مهما كان لأن التعاطف معهم سوف يؤدي إلى ما هو أسوأ تدريجيا، وكل مثقف غربي لم ينس هذه الحقبة الزمنية. ثالثا: وهذه هي الأهم على الإطلاق، يجب أن نسأل أنفسنا هل هدفنا في الأصل هو الدولة العثمانية ؟ والإجابة بكل وضوح: لا ! ولِمَ لا ؟ لأن الدولة العثمانية بكل عظمتها فهي في النهاية تمثل نظاما ملكيا لم يأتي به الإسلام، فإن أصابوا في شيء (سواء هم أو غيرهم) فيُتعلم من مميزاتهم، وإن أخطأوا فيتعلم من أخطائهم لكي لا يتم الوقوع فيها مستقبلا، لأن كلنا يعلم أن حلمنا ليس دولة تحكم بالتوريث ولكن (خلافة على منهاج النبوة)، ولذلك أي قصة من التاريخ الإسلامي يجب تقييمها على هذا النحو..ولأننا لا نمجد الأشخاص أو الرموز بل نمجد الرسالة نفسها والحق أحق أن يُتبع.

ولنا في من حولنا عبَر، فنحن نرى من يمجدون الشيوعية وبرغم المذابح التي ارتكبت  في حق الملايين سواء في الصين أو الاتحاد السوفييتي أو في الوطن العربي وعلى الرغم من قصر مدة نشأة الفكرة وتنفيذها وانتهائها وفشلها، فعندما تقرأ أي حوار بين من ينتمون لهذا الفكر في غرف الدردشة الخاصة بهم تجدهم لا يريدون هدم التجربة على كل ما حدث فيها من انتهاكات لكل ما هو انساني وفشل وكل ذلك من أجل الحفاظ على المكاسب المتواضعة المحدودة للتجربة الموئودة، وعندما ننظر لمن يمجدون جمال عبدالناصر أو صدام حسين أو غيرهما في الوطن العربي، فنجد أن أنصارهم يعون جيدا الخيانات والقتل والاستحواذ على الحكم والقضاء على الحياة النيابية وترسيخ مفهوم شمولية الحكم التي جعلت من الشعوب العربية عبيدا أو نموذجا مكررا لشخص واحد (المعروف بالوطني) وكل من هو دونه فهو خائن حسب المرجعية الوطنية الجديدة وخسرت حروبا وأراض وشهدت فشلا على جميع الأصعدة، فتجد المثقف مبررا لجرائم بشعة وتجد الخيانة توصف بالذكاء والحنكة في مشهد هزلي، وكل ذلك من أجل أن لا يقضي على التجربة والفكرة، ذلك لأنه لو أقر بالجرائم التي ينتفض هو شحصيا لما هو أقل منها في زمننا المعاصر فسوف يكون مصير فكرته الوليدة إلى زوال. وبالنظر إلى من يمجدون الليبرالية فسوف تجدهم يغضون الطرف عن الحربين العالميتين واللاتي تبعاهما احتلال للوطن العربي وتقسيم وقمع ومذابح إلى يومنا هذا. وبالتالي تجد التحيز الأعمى والازدواجية هما أساسا تفكير هؤلاء الناس.

وبالنظر إلى التاريخ الإسلامي فسوف نجد بالفعل انتهاكات في بعض الأزمنة، وسنجد توريثا للحكم، وأحيانا فسادا أخلاقيا أو اقتصاديا، ولكن من قال أننا نتبع الأشخاص ! نحن لسنا كالذين يتبعون شرائع بشر ولكننا نتبع شريعة الله تعالى ولسنا كهؤلاء الذين يمجدون البشر أيا كانوا، وبالتالي أي خطأ  من أي إنسان فهو طبيعي بل وإن لم يخطئوا أصحابه فإنهم بذلك قد تحولوا إلى ملائكة، وبالتالي نحن لا نتبع هؤلاء البشر لأنهم لم يكتبوا لنا القرآن ولا السنة، وإن كانوا أصابوا في شيء فلهم وإن أخطأوا فعليهم وهذا أو ذاك لا ينتقص من الشرع شيئا بل يثري التجربة القادمة. لأن من لم يتعلم من أخطاء الماضي فلا يتوقع نتائج مختلفة وعلى الرغم من أن الانتهاكات في التاريخ الإسلامي ليست كمثيلاتها في التاريخ الحديث والدليل على ذلك أنك تجد غلاة العلمانيين يحفظون من الألف وربعمائة عام اسم "الحجاج بن يوسف" وكأن التاريخ كله كان الحجاج، مع العلم أن خطأ الحجاج (بالرغم من تكفير بعض العلماء له) هو عائد عليه وليس على الشريعة، والحجاج في النهاية لا يمثل إلا نفسه وفترته.

إذاً يجب أن يكون هدفنا واحدا، خلافة على منهاج النبوة، لا على منهاج الدولة العثمانية ولا العباسية، ولا الأموية ولا غيرهم. وسيأتي هنا سؤال: هل بعد كل هذه المحاولات سنأتي نحن بجديد ؟ فالإجابة: بكل تأكيد نعم. فإن الإنسان خُلق ليجرب ويخطئ ثم يتعلم ويطور ليأتي بالجديد.

يجب أن نعلم أن الالتفات إلى غلاة العلمانيين ممن يحصرون الشرع في التجربة ويتحججون بأخطاء مطبقيها لكي يرفضوها بالكلية كمن ينتقد السيارة ويطالب بعدم قيادة السيارات بسبب عدد ضحايا حوادث السيارات وكأن المشلكة في السيارة وليس فيمن يقودونها.. وهنا تحضرني جملة لأحد من غلاة العلمانيين "سيد القمني" عندما كان في لقاء مع د. عبدالوهاب المسيري رحمه الله عندما قال له "إيه ذنب العلمانية إن كل اللي نفذوها نفذوها غلط، العلمانية ماقالتش لحد اقتل أو اسرق" ! فإن كانوا يبررون جرائم العلمانيين كقتل الملايين وإبادات جماعية بالقنابل النووية وما إلى ذلك، فكان أدعى وأولى أن نقول نفس المقولة على من يطبق الشريعة فليس من أراد الحق فأخطأه كمن أراد الباطل فأصابه.

وجزاكم الله خيرا