السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
بسم الله الرحمن الرحيم..
بعد ما رأينا الممثلة المعروفة حلا شيحة وقد رجعت إلى ما كانت عليه بعد التزام دام ١١ عاما أو أكثر ولا حول ولا قوة إلا بالله، وكانت أكثر التزاما (ولو ظاهريا) من أكثرنا.. فحدث حزن عميق عند من يعرفها ومن لم يعرفها.. حتى أني دعوت الله لها وطلبت من والدتي أن تفعل ذلك أيضا، لأن الأمر أن تراه بأم عينيك ليس بالأمر الهين، فنحن رأيناها تترك الساحة المسماة بالفنية بشكل تدريجي ثم عُرفت أنها تعطي دروسا للأخوات بالأخص من بنات طبقتها وقد حضرت لها زوجتي وتأثرَت بكلماتها أشد الأثر، وكانت تشهد لهذا الوسط الذي تركته بكل منكر، فهي لم تذكر أنه وسط نظيف أو يمكن لأحد أن يوازن بينه وبين دينه بل فضلت تركه بالكلية لما فيه من منكرات لا مفر من الوجود وسطها.. فكان لمن حضر لها أن تأثر بكلامها بل وكره هذا الوسط كله بعد ما كان فقط له عليه بعض التحفظات... وكان الجميع حتى ممن لم يتخذ خطوتها كان يفرح لها ويدعو لها بالقبول والثبات.
وأنا هنا أود أن أتكلم عن عدة أمور لنا وليس لها، فنحن لا نملك لها إلا الدعاء.
أولا: الثبات ليس فقط منة ومنحة من الله سبحانه وتعالى بل أيضا له أسباب.
ومن أسبابه الإفتقار لله والعلم الدائم أن الهداية ما هي إلا من عند الله سبحانه وتعالى، حتى أن رسول الله ﷺ لم يضمنها لنفسه وقد قال الله تعالى له (ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا) وقال تعالى (فاستقم كما أمرت ومن تاب معك ولا تطغوا...)
- ومن مزيلات حالة الإفتقار لله تعالى: شكر الناس فيك ومدحهم لتدينك وهو من المهلكات كما قال ﷺ عندما مدح صحابيُ تدين صاحبي آخر فقال له ﷺ "ويلك قطعت عنق أخيك (ثلاثا) من كان منكم مادحا لا محالة فليقل أحسب فلانا والله حسيبه ولا أزكي أحدا على الله)، فهذا المدح يؤدي إلى ثقة بالنفس وشيئا فشيئا يزيل عنك حالة الإفتقار ويحدث العُجب بالنفس.
- وأيضا من مزيلات حالة الإفتقار لله تعالى: العُجب بعد العبادة أو تحصيل العلم، فيمكن بعد تحصيل علم معين أو بعد ختمة لكتاب الله حفظاً أو غيره من التحصيل العلمي ينتابك العجب فتنسى من علمك هذا ثم ضف على هذا مدح الناس فيك تباعاً.
ثانيا: الثبات مثل ركوبك السيارة وأنت في سفر دائم أو وجودك على قارب في عرض البحر أو طائرة محلقة في الجو أو حفاظك على جسد سليم أو محاولتك للحفاظ على نجاح شركتك.
ما معنى هذا الكلام؟
- كثير منا يعتقد أن أسباب الدنيا لا علاقة لها بأسباب الآخرة... ولكن:
من يريد أن يسافر بسيارة أو طائرة سفراً دائما يجب عليه ملأ السيارة بالوقود بشكل دوري والكشف على السيارة كذلك كل عدة آلاف من الكيلومترات، ويبقى متيقظا لألّا ينفد الوقود أو يتعطل شيء من السيارة وهو لا يدري فيؤدي ذلك لوقوفها وإيقاف الرحلة تباعاً! ثم بعد ذلك عدم الإلتفات إلى أي شيء يعوق حركته أو مساره في اتجاه هدفه.
ومن يستقل قاربا ليبحر به في رحلة دائمة يجب عليه أن يكشف على القارب من حين لآخر وأن يكون على علم بحركة الرياح والأرصاد والطقص وحالة البحر والصيانة الدورية للقارب ويتصرف بناء على ذلك ولا يغفل وإلا فاجأه ما لم يكن يجهز له فيحدث ما لا يحمد عقباه! ثم عدم الإلتفات إلى أي شيء يعوق حركته أو مساره في اتجاه هدفه.
وحفاظك على جسد سليم ليس نتاج اهتمام يوم وليلة أو حتى شهر أو سنة، بل هو عمل دائم مستدام، يجب عليك دوما أن تراقب حركتك ووضعية جلوسك وطعامك وشرابك وعاداتك....إلخ إلى أن تموت، فلا يوجد يوم تقول فيه ها أنا قد وصلت لما كنت أتمناه فاليوم لن ألعب الرياضة وسآكل ما يحلو لي ولن يتأثر جسدي!
ونجاح شركتك كذلك يطلب منك دراسة للسوق ومتغيراته والإقتصاد ومحدداته ومتغيراته وعلم الإدارة والإستعانة بالغير كمساعدة أو كاستشارة وسعي دائم وإلا أُغلقت شركتك كما شاهدنا شركات عديدة تغلق بسبب سكونها وسُباتها وعدم الوعي بما يحدث حولها والإكتفاء بالموجود.
وكذلك الأمر في الدين، فأنت في الدين كمن هو في رحلة دائمة، رحلة إلى الله تعالى، نهايتها الموت، وأنت لا تدري متى تأتي هذه النهاية فعليك بملأ الوقود والزاد الذي تحتاجه للرحلة بشكل دائم مستدام (وقل رب زدني علما) إذاً الزاد هنا هو العلم، ثم عليك بالإستشارة وطلب المساعدة (فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون)، والصحبة (واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم...)، ثم عليك بالمراجعة الدائمة (الصيانة الدورية) مثل حضور مجالس الذكر، الذهاب للمساجد، قراءة القرآن....إلخ ، ثم عليك بالوعي بالفتن حولك لكي تأخذ حذرك منها فلا تجلس في مكان شبهة أو وسط صحبة سيئة أو في عمل محرم فيُسلب دينُك وأنت لا تشعر، ثم عليك بعدم الإلتفات إلى أي شيء يعوق حركتك أو مسارك في اتجاه هدفك وهو "الله" سبحانه وتعالى. ومن المعوقات التي لا ينبغي لك أن تلتفت إليها وهي على ما أعتقد من المهلكات: الصحبة القديمة، عدم اعتزالك هذه الصحبة حتما من المهلكات.
إذاً يمكننا تلخيص النقاط السابقة فيما يلي:
١. الإفتقار إلى الله واستشعار فضله ومنه.
ومزيلاته: -العُجب الذي يأتي من مدح الناس. -العُجب بعد تحصيل العلم أو تحقيق عبادة.
٢. ملأ الوقود بشكل دائم والتزود غير المنقطع من أنواع العبادات المختلفة، الخفية منها والظاهرة.
٣. الصحبة الصالحة، فإن لم تجدها فعلى الأقل اعتزل الصحبة السيئة القديمة وإن انتهى بك الأمر أن تعيش وحيداً، فهذا دينك وإن علمت أن مجالسة بعض الناس سوف تجلب لك الفقر والإفلاس لاعتزلتهم فما بالك بدينك وهو أغلى عندك من المال؟.
٤. المراجعة الدورية، دُبر كل يوم، أسبوع، شهر..موسم (رمضان، حج.....إلخ)
٥. الوعي بما يحدث حولك من فتن فلا تقع فيها وأنت لا تشعر، وبإمكانك أن تسأل نفسك لو كان رسول الله أو أحد الصحابة الكرام مكاني ما الذي كان سيفعله؟
٦. عدم الإلتفات إلى أي شيء يعوق حركتك أو مسارك في اتجاه هدفك. (فإذا عزمت فتوكل على الله) ولا تلتفت إلى الوراء أو يمينا ويسارا.
٧. وأخيراً الدعاء (يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك) فلولا تثبيت الله لك ما ثبتَّ.
وأسأل الله سبحانه وتعالى أن نكون ممن يثبتهم الله بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة.
وأسال الله تعالى أن لا أكون من الذين يقولون ما لا يفعلون.. وهذا اجتهادي والله أعلم.
"وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ" سورة العنكبوت (٦٩)