Sunday, March 17, 2024

لقد ماتت أمي .. لقد مات أبي

 السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،

بسم الله الرحمن الرحيم،

لقد ماتت أمي .. وهي أغلى إنسان عندي.. ماتت هذا يوم ١ فبراير ٢٠٢٢.. لقد تذوقت هذا الألم القلبي وكنت أهرب منه دوماً عندما كانت تقول لي "عندما أموت..." أقول لها لا تكملي...

ثم مات أبي يوم ٢٣ يناير ٢٠٢٤ بعد أمي بعامين، وأشعر من وقتها أن البركة قد ماتت..

الحمد لله رب العالمين، وإنا لله وإنا إليه راجعون.. أسألكم الدعاء لهما بالفردوس الأعلى من الجنة بغير حساب ولا سابقة عذاب.


Monday, August 9, 2021

أين الخلل؟

شاهدت منذ فترة فيديو للشيخ محمد راتب النابلسي كان يسأل السؤال: أين الخلل؟ فنحن المسلمون أغلبنا يصلي الصلوات الخمس ويصوم رمضان ويتصدق بماله على الفقير ويحج بيت الله الحرام ويعتمر ولا تنتشر الكبائر بيننا ولا يتم الجهر بها، فغالب الناس لا يسرق ولا يزني ولا يشرب الخمر ومن ابتلي بأي من الكبائر فيفعلها منفردا متستراً، إذن أين الخلل؟ ثم أجاب وقال أن الخلل الذي عند المسلمين هو الغيبة والنميمة والتي هي من حقوق العباد، فقد أعطى الناسُ حقَّ اللهِ تعالى من أركان الإسلام وتجنب الكبائر ولكنهم لم يعطوا العباد حقوقهم سواء بكف ألسنتهم عنهم في غيابهم أو إفساد ذات البين.

ومن هنا أود أن أتكلم عن نقطة أراها هامة جدا، فمثلا أحيانا تجد سيدة وقد صلت صلاة التهجد كاملةً بينما غيرها من مئات الآلاف بل والملايين من المسلمين نائمون عن هذه الصلاة أو لاهون في المقاهي أو أمام المسلسلات ولكنك تجدها بعد الصلاة وقبل الخروج من المسجد تسمع صوتها وهي تتشاجر مع سيدة أخرى! فما فائدة الصلاة إذن؟ وهذه ليست دعوة لعدم الصلاة ولكنها دعوة للتحلي بالصبر والأخلاق ولكنك تعلم وقتها أنه لا علاقة بحق الله وحق العباد.

وقد قابلت في حياتي من هم حريصون جدا على صلوات النوافل والأذكار ولكنهم في الخصام أشر من إبليس، فتجد السباب وهتك لما ائتُمِنَ عليه من أسرار وفُجر في الخصومة من غيبة ونميمة وإن لم يكن بشكل مباشر فبشكل غير مباشر عن طريق الكلام على وسائل التواصل الإجتماعي وما يسمى ب"تلقيح الكلام" حتى يفهم القاصي والدتني عما يتكلم، وكل ذلك عنده له تبريراته ودوافعه وأعذاره وأسبابه، أما تحكيم الشرع في النزاعات وهل ما يُفعل حرام أم حلال.. فلا!

هذا هو داؤنا، والمرعب في الأمر أن تعاهد العبادة ليس بالأمر السهل، فالحج والعمرة والصلاة والنوافل وقراءة القرآن والصيام والقيام كل ذلك ليس أمرا سهلا والمحافظة عليه ليس أمرا سهلا ولكن المرعب أن يقول الرسول صلى الله عليه وسلم أن من فعلت كل هذا ولكنها فقط كانت تؤذي جيرانها فهي في النار! هذا أمر مرعب حقا، لك أن تتخيل حياة هذه السيدة من صلاة وصيام وعبادات وصدقات وكيف كان يراها من حولها من تقوى وتقرب إلى الله وهي في النار قولا واحدا! يا الله...

حديث آخر يقول الرسول صلى الله عليه وسلم عندما طلب منه رجل أن ينصحه بنصيحة واحدة: لا تغضب ويكرر الرجل الطلب فيكرر الرسول صلى الله عليه وسلم الجواب!

وأيضا حديث آخر خلال الصيام أن إذا سابّك أحدأو شاتمك أو قاتلك فلتقل "إني إمرؤ صائم" ... يالهذا الموقف، تخيل معي شخصا يسُبك أو يريد أن يقاتلك، أو يشتمك....وأنت تترك الرد عليه وتقول له أنا صائم، هو في هذه اللحظة سيشعر بنشوة النصر عليك وسيراك ضعيفا وسترى نفسك وقتها ضعيفا وقد تركت حقك وسيفور الدم داخلك وستفكر مائة مرة للرجوع وقول ولو كلمة... ولكن المطلوب منك هو السكوت...هذه بالطبع موقف صعب..

وقد سمعت من قبل من أحد العلماء أن الأفضل عامةً أن تترك حقك إذا جار عليك أحد وظننت أنك إن أخذت حقك فمن المحتمل أن تأخذ فوق حقك، فالأفضل وقتها أن تترك أمرك لله وهو يأخذ لك حقك أو مثلا حين يكون أخذ حقك هو تدني لنفس مستوى المؤذي، فوقتها لن تقوى على تدنيه وإن تدنيت فسيأخذك لمستوى آخر من التدني.

الأمر صعب، وهو ما لا نقرأ عنه وما لا نعرفه، فتجد المساجد ممتلئة ولكن المظالم قائمة، وكأن العبادات مخدر لما اقترفناه في حق بعضنا البعض.

وهنا أخي/أختي الفضلاء نعرف أن حياتنا تنقسم قسمين قسم بيننا وبين الله وقسم بيننا وبين العباد، فإذا أردنا أن نعرف حقيقة أمرنا فلننظر أنفسنا من العباد من حيث العلاقات والغيبة والنميمة والقطيعة والحقد والغل وكلٌ أدرى بنفسه وأمراضها..

"ولا يجرمنكم شنآن قوم على أن لا تعدلوا"

نسأل الله العافية.

شخصية الرجل المسلم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
بسم الله الرحمن الرحيم،

نجد فصلا واضحا بين المدني والعسكري وبين العامل والعالِم حتى وصلنا إلى أحزاب من الناس أزعم أنها أضرت أكثر مما نفعت، وأصبحت شكلا معروفا لا يحيد عنه إلا ندرة قليلة، وبالتالي نحتاج أن نفهم ما وصلنا إليه ثم أن نفهم كيف كان المسلمون خلال الفترة النبوية وماذا يجب علينا أن نفعل كأفراد في هذا العصر.

في البداية دعنا نعطي بعض التعريفات عن ما هو المدني والعسكري والعامل والعالِم:

المدني: هو شخص ليست لديه معلومات عسكرية أو حتى يستطيع أن يمسك السلاح وغالبا ما يعاني من كثير من أمراض المفاصل نتيجة للعمل الشاق طوال العام والعمل المكتبي والعادات الخاطئة نتيجة لظروف عمله.

العسكري: هو شخص غالبا لم يكن متفوقا أو حتى عنده أدنى شغف بالعلم وبالتالي هو يجيد فن القتال وحمل السلاح وهو أكثر لياقة من النوع الأول ولكنه أقل علما بالتأكيد.

العامل: هو الشخص الأول والثاني بغض النظر كونه مدنيا أو عسكريا ولكنه لا يمتلك من ضروريات العلم الشرعي أي شيء ما يجعله جاهلا بأمور دنياه تباعاً كفقه معاملات وشراء وبيع وزواج وما إلى ذلك.

العالِم: هو شخص لا هو هذا ولا ذاك، بل هو شخص منطوٍ على نفسه منكبٌ على كتبه، بتكلم ببلاغة صعبة على العوام فهمها ويعلم أكثر من العلم الضروري الذي يحتاجه العوام.

ما حدث أن المدني أصبح تلقائيا أغنى ولو نسبيا من العالِم الذي يُرى على أنه غير مفيد لأنه لا يمتلك حرفة بل أصبح العلم نفسه حرفة، فتجده يعمل (إمام مسجد)! هل إمامة المسجد للصلوات الخمس وإلقاء درس منتصف الأسبوع ثم خطبة الجمعة تحتاج أن تكون مهنة براتب شهري؟! ولكن عموما أيا كان الرد ففي النهاية لدى هذا الصنف من الناس الحظ القليل من الكسب إلا أن يشتهر وتعرفه الفضائيات.

وما حدث أن المدني أصبح جاهلا بعلوم دينه ولو حتى بقواعد اللغة العربية البدائية وأحكام التلاوة وأبسط قواعد الفقه التي يحتاجها في حياته اليومية فتجده إذا غاب الإمام فتقدم للصلاة لا يقرأ القرآن بأحكامه، وفي تعاملاته تجد كثيرا من التجاوزات الشرعية كوضع أمواله في بنوك ربوية أو عمله لمهنة بها شبهة...إلخ، وهو بذلك قد تفوق على العالِم في العلم الدنيوي وحظه من الكسب، ولكنه خسر دينه، فلا يبارك الله له في دنياه تباعاً وتجده غالبا ما يعاني من الإكتئاب والأمراض والضغط العملي وعدم الراحة حتى أنفاسه الأخيرة.

أما العسكري فهو تفوق على كل هؤلاء بالسلطة النابعة من القوة، فهو الوحيد الذي لديه القدرة على الحماية والردع والهجوم أيضا، ولا يخفى على أحد أن القوة تعطي صاحبها ثقة بالنفس حتى أنه كثيرا ما يرى نفسه فوق العلماء والمحترفين، لأن قوته تجعله يظن أنه لولا رحمته بهم لقتلهم جميعا أو سجنهم أو أخافهم، فليحمدوا ربهم أنه تركهم يَحْيَوْن! فتجده من منطلق هذا الشعور لا يبذل مجهودا لا في أمر دينه ولا دنياه، فهو له الحق أن يأخذ أموالهم نظير حمايته لهم، وإلا فليذهبوا هم لحماية أنفسهم!

ومع نقص كل حزب فيهم لمقومات وإمتيازات الآخر فأصبح المجتمع متشرذماً يكره بعضه بعضا، فالعسكري يحتقر العالم والعامل، والعامل يحتقر العسكري والعالم يراهما في ضلال، فالعسكري أصبح فاسداً، ويضع يده بيد الأعداء والأسباب غير معروفة لأنك أيها المدني سواء عالما كنتَ أو عاملا، فأنت لا تفهم ولن تفهم، والقيادة هي من تعرف كل شيء. وهكذا.

إذن ما هي شخصية الرجل المسلم؟

من وجهة نظري، الرجل المسلم يجب أن يكون خليطا من الثلاثة أنواع، فمثلا إذا نظرنا إلى الدولة الصهيونية، فتجد أن الطفل منذ الطفولة يتعلم أمور دينه وأيضا فنون القتال ثم أيا كان الكلية التي يلتحق بها فالتجنيد إجباري، والتجنيد هناك ليس كتجنيدنا هنا في مصر، بل هو تجنيد حقيقي وتمرينات حقيقية بالرصاص الحي ودراسة حقيقية.
فتجد الشاب الصهيوني خليطا من الثلاث شخصيات فهو عالِم (ضال بالتأكيد)، وهو عامل ومحترف، وهو جندي محارب.

وتجد أيضا في فلسطين من يقاوم المحتل ويعلم كيف يحمل السلاح وفي نفس الوقت هو مهندس أو طبيب أو محاسب...إلخ وفي نفس الوقت تجده عالما بأساسيات دينه وإذا صلى بالناس تجده قارئا لكتاب الله وإذا خطب تجده خطيباً مفوهاً.


فأسأل الله تعالى أن يرزقنا هذه الشخصية وإن كنا قد شُوهنا فلا يأس طالما نحن أحياء نُرزق.

ساندوتش زبدة وسكر

 السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بسم الله الرحمن الرحيم

غيرت اسم مدونتي أخيرا بعد مدة زمنية طويلة من إنشائها عام ٢٠٠٨، فقد سألت نفسي لِمَ لا أغير اسمها القديم (علي فهمي) لاسم آخر كباقي المدونين؟!
ولكني لم أجد بديلا، ومؤخرا وجدت هذا الاسم وحكايته أني في الصف الأول أو الثاني الابتدائي كان يجلس بجانبي ولد وكان يأتي الفصل بساندوتشات زبدة وسكر، وعندما أظهرت تعجبي من هذا الاختراع فأعطاني قطعة وكان طعمها لذيذا جدا مما جعلني أخبر أمي وقتذاك عن هذه الأكلة اللذيذة فقالت لي "لا تاخذ منه وأنا سوف أقوم بعمل لك ساندوتشاً مثله" ومنذ ذلك اليوم وأصبحت أنا أيضا أحضر المدرسة ساندوتشات زبدة وسكر....

طفولة بسيطة وطلبات بسيطة وسعادة بريئة....

Thursday, October 11, 2018

التدبر أَم الحفظ أَم السماع أَم القراءة؟

منذ فترة ونسمع دعاة كُثر يدعون إلى التدبر والتقليل من أهمية حفظ القرآن أو سماعه بغرض التلذذ بصوت القارئ أو القراءة بغرض الثواب... ويدعون فقط إلى التدبر ثم التدبر ثم التدبر..
ثم تجدهم يحتجون أن نفراً من قراء القرآن من يؤيد الظالمين، وأن الإسلام هو الديانة الوحيدة التي فيها من يهتم بالحفظ لا بالتدبر، وأن التدبر هو ما يغير البشر لا الحفظ ولا السماع ولا القراءة الفاقدة للتدبر..
والكلام على الرغم أن له وجاهة ولكنه يفتقر لعدة أمور منها ما يلي:

١. كثير من الشيوخ والعلماء ممن لهم كتب ورسالات دكتوراة في التدبر من يؤيدون الظالمين من حكام المسلمين حاليا منهم من مات ومنهم من يعيش بيننا الآن. وبدون ذكر أسماءهم... وقد رأيت أيضا من تعمق في التدبر ولم يغير التدبر شيئا في أخلاقه أو موقفه السياسي أو غيره، إذاً هذا ليس مقياساً...هو أمر محمود ومأمورون به ولكنه ليس كل شيء وليس مقياسا للهداية.. ولقد رأينا من القراء من يُصفع بالقلم ويُطرد من المسجد في مصر وهو بالولايات المتحدة الآن لأنه دعا على الظالمين بعد مذبحة رابعة.

٢. القرآن خُص بخاصية أنه سهل الحفظ لمن استعان بالله على ذلك، وقد حث الرسول ﷺ على ذلك عندما قال الحديث المعروف (الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة...إلخ).. والماهر لا يكون ماهرا إلا إذا حفظه وأحكم تلاوته وترتيله، وما نجده في مساجدنا اليوم من ضعف في الحفظ وفي أحكام التلاوة يظهر مدى احتياج المسلمين لحافظ قرآن في كل منطقة على الأقل، وإلا تُركت المساجد لعامل المسجد والذي لا يستطيع أن يقرأ الفاتحة ثم إذا تقدم أحد رواد المسجد من ذوي الشهادات فتجده لا يختلف كثيرا عن عامل المسجد من حيث الحفظ وأحكام التلاوة.
وقد انتشرت مقولة عن عمر بن الخطاب أنه "تعلم سورة البقرة ثمانية أعوام" وقالوا هذا عمر، فكيف بغيره! وكان الرد أن "تعلم الأمر" لا يعني حفظه بل تعلم الأحكام والشرائع الموجودة بسورة البقرة وهي كثيرة فعلا، وقد ذكر أبو عبيد في كتاب القراءات، القراء من أصحاب النبي  ﷺ فعد من المهاجرين الخلفاء الأربعة، قال السيوطي: وسبقه إلى ذلك ابن كثير. إذاً قد ثبت أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قد ختم القرآن حفظاً وهذا معنى (القراء) أي (الحُفاظ) في زمننا هذا، بل وذُكر أن بعض الصحابة كانوا يقرأون عليه! وقد ثبت أيضا أنه كان يصلي بالناس صلاة الصبح بسورة يوسف تارة فيبكي ويعلو بكائه حتى تسمعه الصفوف الخلفية عند (إنما أشكو بثي وحزني إلى الله) وقيل أنه كان يتذكر موت رسول الله ﷺ فيبكي عند هذه الآية، وروي أنه صلى بالناس صلاة الصبح بسورة يونس مرة أخرى.. إذاً هو إدعاء غير صحيح. وقد جاء عن عمر أنه قرأ في الركعة الأولى من الصبح الكهف وفي الثانية يوسف. وقد قرأ النبي ﷺ في الركعة الأولى النساء وفي الثانية آل عمران.
وقد زوج الرسول ﷺ رجلا بسور يحفظهن من القرآن فقال له "فهل معك من القرآن شيء قال نعم سورة كذا وسورة كذا لسور سماها فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم قد زوجتكها بما معك من القرآن"

وروي عن الرسول ﷺ أنه قال "يقال لقارئ القرآن اقرأ وارتق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا، فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها"، قال الشيخ محمد شمس الحق العظيم آبادي رحمه الله : " ( يقال ) : أي عند دخول الجنة ( لصاحب القرآن ) : أي من يلازمه بالتلاوة والعمل ، لا من يقرؤه ولا يعمل به.. قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: ويؤخذ من الحديث أنه لا ينال هذا الثواب الأعظم إلا من حفظ القرآن وأتقن أداءه وقراءته كما ينبغي له.. يقول ابن حجر الهيتمي رحمه الله : " الخبر المذكور خاص بمن يحفظه عن ظهر قلب ، لا بمن يقرأ في المصحف ؛ لأن : مجرد القراءة في الخط لا يختلف الناس فيها ، ولا يتفاوتون قلة وكثرة ، وإنما الذي يتفاوتون فيه كذلك هو الحفظ عن ظهر قلب ، فلهذا تفاوتت منازلهم في الجنة بحسب تفاوت حفظهم . ويقول الشيخ الألباني رحمه الله : " اعلم أن المراد بقوله : ( صاحب القرآن ) حافظه عن ظهر قلب ، على حد قوله صلى الله عليه وسلم : ( يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله.. )، أي : أحفظهم. ولكن بشرط أن يكون حفظه لوجه الله تبارك وتعالى ، وليس للدنيا والدرهم والدينار ، وإلا فقد قال صلى الله عليه وسلم : ( أكثر منافقي أمتي قراؤها ). وعن ابن مسعود عن النبي ﷺ أنه قال : ”اقرأوا القرآن فإن الله تعالى لا يعذب قلبا وعى القرآن، وإن هذا القرآن مأدبة الله فمن دخل فيه فهو آمن، ومن أحب القرآن فليبشر “ رواه الدارمي

٣. سماع القرآن والتلذذ به أيضا من السنة، ويدل عليه حديث أبي موسى عندما كان يستمع له النبي ﷺ والصحابيان أبو بكر وعمر ثم عندما علم بسماع النبي ﷺ اليوم التالي فقال له النبي  (لو رأيتني وأنا أستمع لقراءتك البارحة، لقد أوتيت مزمارا من مزامير آل داود) فقال (أما إني لو علمت بمكانك لحبرته لك تحبيرا) و قد كان عمر يقدم الشاب الحسن الصوت لحسن صوته بين يدي القوم، وأيضا "أن أبا موسى قام ليلة يصلي ، فسمع أزواج النبي صلى الله عليه وسلم صوته - وكان حلو الصوت - فقمن يستمعن ، فلما أصبح قيل له ، فقال : لو علمت لحبرته لهن تحبيرا" - والتحبير تحسين الصوت وتحزينه - وحديث الرسول ﷺ لابن مسعود (اقرأْ عليّ)، فقال: أَقْرَأُ عليك وعليك أُنْزل؟ فقال ﷺ أحب أن أسمعه من غيري).
وقد كان أكابر قريش ينهون الناس والحجاج أن يستمعوا للقرآن وأن يلغوا فيه لعلهم يغلبون، وقد كانوا يلقون بالأشعار وما شابه قصص القرآن من حكايات القرون السابقة ولكن القرآن كان لوقعه في النفوس شيء آخر، وهذا لما ميزه الله تعالى، وقد حكى قراء عدة عن أسفارهم في بلاد غير المسلمين وأن كثيرا من غير المسلمين قد أسلموا فقط عندما سمعوا تلاوة للشيخ المنشاوي والشيخ عبدالباسط عبدالصمد قد قالها في حوار تليفزيوني له، والشيخ محمود الشحات أنور وغيره وقد سمعت مؤخرا ذلك الأمر من قارئ نادي الصيد الشيخ الشيخ عيد حسن أبو عشرة نفس الأمر من أعاجم لا يفهمون شيئا من القرآن، وقد رأيت ذلك أيضا في مسجد الشيخ شرزاد طاهر بالشارقة على اليوتيوب من يسمتع للقرآن فيدخل المسجد ويحضر الصلوات ولا يصلي ثم يقول (لقد شعرت براحة وأنا أمر بجانب المسجد وسمعت ما ترتلونه ومنذ عدة أيام وأنا آت لأستمع صلواتكم وأريد أن أسأل عن هذا الدين). وهذا بالأعجمي، فكيف بالعربي؟ ألا يتأثر بسماع القرآن من صوت خاشع نديّ؟
وقد قال الشيخ الحصري في كتابه (مع القرآن الكريم): قالوا: ولابد للنفس من الطرب والاشتياق إلى الغناء، فعُوِّضَت عن طرب الغناء بطرب القرآن، كما عوضت عن كل محرم مكروه بما هو خير منه.

٤. أما عن القراءة حتى وإن كانت بلا تدبر: فقد قال ﷺ إن هذه القلوب تصدأ كما يصدأ الحديد إذا أصابه الماء " قيل : يا رسول الله وما جلاؤها ؟ قال : " كثرة ذكر الموت وتلاوة القرآن ". إذاً "كثرة" تلاوة القرآن مجلبة للتدبر، وهذا ما ينصح به نفر من الأكاديميين عند قراءة الكتب أنه ليس بالضرورة أن تقف عند كل كلمة بل اقرأ قراءة متأنية ثم ارجع مجددا وهكذا.
وأيضا حديث (عن أبي أمامة البَاهِلي رضي الله عنه أن رسول الله  قال (اقرؤوا القرآن ، فإنه يأتي يوم القيامة شفيعًا لأصحابه ، اقرؤوا الزَّهراوَينِ البقرة وسورة آل عمران) وحديث (من قرأ حرفا من كتاب الله فله حسنة والحسنة بعشر أمثالها ، لا أقول الم حرف ، ولكن ألف حرف ، ولام حرف ، وميم حرف) وأحاديث أخرى للحث على قراءة القرآن.

ما أود أن أقوله أنه عندما يؤخذ من الدين جزء ويترك أجزاء فقد تركنا خيرا كثيراً، واقتصار القرآن على تلاوته من أجل التدبر فقط وتجاهل الأحاديث والآيات الحاثة على الأوجه الأخرى قد يكون سببا لإيقاف من كانت لديه الهمة العالية في أي من هذه الأوجه أن يبادر، ولعلها تكون سببا في هدايته ومدخلا لباب آخر كالتدبر أو العلم الشرعي وغيره.
وقد قال إبراهيم الخواص: ليس العلم بكثرة الرواية؛ إنما العالم من اتبع العلم، واستعمله، واقتدى بالسنن، وإن كان قليل العلم..
وكذلك أي شيء آخر كحفظ القرآن أو تلاوته وسماعه ليست العبرة بكثرته بل بكيفيته، ولكن هل هذا نداء من إبراهيم الخواص بترك تحصيل العلم والإكتفاء بالقليل منه حتى تطبيقه؟ بالطبع لا، بل قال الله تعالى (وقل رب زدني علماً) إذاً ما الحل للعدل بين الخيرين؟ محاولة الإستزادة مع المجاهدة للتطبيق. فلا يُلام المستزيد المفَرّط بل يُشجع على تطبيق ما استزاد منه ولا يُشجع المقل على جودة اتباعه بل يُحث على الإستزادة مع التطبيق.
وأخيرا في مسألة حفظ القرآن الكريم فقد كان غالب قراءة الرسول ﷺ بالمفصل: فطواله للصبح وأوساطه للعشاء وقصاره للمغرب وكان يطيل عن ذلك أحيانا وأحيانا يقصر...

فأذكر نفسي وإياكم على الأقل أن نجتهد في حفظ المفصل كحد أدنى مع تعلم أحكام التلاوة ومن أراد الإستزادة فجزاه الله خيرا ولا يُهاجم ولا يُثبط. ومن لا يقدر إلا على القصار فلا يلوم غيره ولا يثبطه ولا يُلام هو أيضا، ولكن أحببت هنا أن أصحح عدة أمور رأيتها مؤخرا من بعض الدعاة وكأنهم يقولون للناس (لا تحفظوا القرآن، تدبروه فقط ويكفيكم للصلاة قليل من قصار المفصل) وهذا أظنه يمنع خيرا كثيرا عن من لديه همة في الحفظ أو في القراءة أو في سماع القرآن والإكتفاء به عن الأغاني، وهذا الإدعاء لم أجده في السُنة.
وأخيرا أنصح من يقرأ هذا الكلام ولا يكتفي ولا يقتنع أن يقرأ كتاب الشيخ محمود خليل الحصري (مع القرآن الكريم) ففيه الجواب الشافي بإذن الله.

Tuesday, August 14, 2018

حقيقة الحياة! لمن لا يعرفها..

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
بسم الله الرحمن الرحيم،

هذه المقالة أو التدوينة هي مكملة لما قبلها، وكنت في المرة الماضية قد تكلمت عن مسببات الثبات عسى الله أن يثبتنا وإياكم على الحق حتى نلقاه. ولكن هنا أريد أن أتكلم عن كيفية التعامل مع من ترك الساحة المسماة بالفنية كأختنا حلا شيحة أو من تركوا دينهم ودخلوا في الإسلام، وفي الحالتين يشترك الشخصان في أنهما نشئا في محيط وبيئة غير متدينة نهائيا سواء مسلمة أو كافرة، وهذا اجتهادي والله أعلم، ظناً مني أنه إذا تعامل المحيطون بهم بهذا الأسلوب سوف يساعدهم على الثبات وهو مجرد سبب من الأسباب، وما الثبات والهداية في النهاية إلا من عند الله عز وجل.

وأرى أن هناك سببين أساسيين لرجوع إخوتنا إلى ما كانوا عليه:

أولا: معاملة الناس لهم بعد هذا التحول.
ثانيا: عدم الدراية بالحياة بعد هذه الخطوة.

نأتي للنقطة الأولى:

ما لاحظته أن الناس إذا رأت هذا الأنموذج يعاملونه وكأنه صحابي-صحابية من زمن النبوة، فينظرون له بكل إجلال وتعظيم وإعجاب، وهم معذورون في ذلك فقد ترك ما لا يستطيع الكثير تركه، لقد ترك شهوة الشهرة وانخلع منها ومن محيطها وهو مغموس فيها فكيف لا يعجب له الناس! ولكن للأسف هذا الإعجاب يأخذه إلى مستوى من المسئولية أحسبه شاقا عليه، فهو الآن يعامل كصحابي أو نبي مرسل، وهو ليس كذلك، بل هو لا يزال إنسانا ضعيفا، يُخشى عليه من الزلل كجميعنا، ويُخشى عليه من الإشتياق للصحبة القديمة، والشهرة والمال...إلخ وكلها قد زُينت له كما ذكرالله تعالى في القرآن الكريم (زُين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث..ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حُسن المئاب) سورة آل عمران ١٤، إذاً هو في اختبار أصعب من إختباراتنا العادية، وهو معرض للزلل أيضا أكثر من غالبيتنا الذين هم في منأى عن هذا المحيط.

والحل: معاملة الناس لهم بالترحاب والحب والصداقة، ولكن بدون إعجاب زائد يجعلهم يشعرون أنهم أنبياء فلا يقوون على ما يواجهون فيما بعد من إبتلاءات أو شهوات ثم بعد فترة زمنية يكتشفون أنهم ليسوا كذلك بل هم بشر ضعفاء.

تخيل مثلا أن أحد حديثي التخرج قد تم تعيينه في شركة كبيرة وبعد تعيينه فوجئ بالجميع يصفقون له ويقولون له لقد عُيِّنتَ مديرا للشركة وأنت عالم في تخصصك وعلى علم بالإدارة وما إلى ذلك، ماذا تنتظر من هذا الشاب أن يفعل؟ سوف ينهار بعد عدة ايام بعد ما يصطدم بالمشاكل الحقيقية في الشركة والتي تحتاج حتى يواجهها إلى تدرج في الوظيفة وتعلم وتواضع حتى يصل لهذه المنزلة وأن من حوله كان من الأحرى بهم أن يعاملونه على هذا الأساس حتى لا يشقوا عليه ويحملونه فوق طاقته.

ورجوعا للملتزم: ما يحدث أن هذا الشخص يبدأ فورا بحضور الدروس لكي يلقي محاضرات عن قصة توبته، ثم يبدأ بإعطاء دروس بعد فترة وجيزة، فتُسلط عليه الأضواء ويكبر في عين نفسه وعين الآخرين ويكون هذا ضارا له فيما بعد، إذا أراد أن يتعامل مع ضعفه وآدميته فلا يعرف لأن الناس كلهم يراقبونه فتتقزم أمامه مراقبة الله تعالى وتتضخم مراقبة الناس له حتى يسأم هذه الحياة المبنية على خوف الناس ومراقبتهم فيتركها بالكلية.

ثم النقطة الثانية:
عدم معرفة حقيقة الحياة بعد التدين، والحقيقة أن الحياة بعد التدين ليست جنة مليئة بالأزهار، بل هي حياة عادية جداً مليئة بالإبتلاءات تارة والإختبارات تارة والفرح تارة والحزن تارة وقد قال الله تعالى ذلك في كتابه الكريم (ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين) - سورة البقرة ١٥٥، وأيضا (ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلو أخباركم) سورة محمد ٣١..

ولكن كيف تكون الحياة كذلك وقد قال الله تعالى (من عمل صالحًا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياةً طيبةً ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون) سورة النحل ٩٧؟

ما أعتقده أن الحياةَ تكونُ حياةً طيبة إذا قنَّعك الله بالقليل وبما عندك وإذا رزقك الصبر على البلاء فتكن وقتها حياة طيبة.

إذا تركت ملذات الحياة ووقفت بين يدي ربك آناء الليل ساجدا وقائما، إذا اجتنبت المعاصي وأقمت الفرائض والسنن وجاهدت في الله حق جهاده وقتها تجد لذة العبادة في قلبك وعند المصائب تجد الصبر والسلوى والثبات وعند قراءة القرآن تجد الأنس والراحة وكأنك تحيا حياةً ثانية وسط كل بلاءات الحياة.. يشكو الناس قلة المال وأنت تجد البركة في القليل أو عدم المرض وآخرون ينفقون أموالهم على العلاج والمستشفيات والعيادات مثلا، تجد عدم التوفيق عند من حولك وتجد حب الناس لك وتجد الرضى بالقليل، تجد عقوق الأبناء عند غيرك وتجد بر أولادك لك، تجد تشتت من حولك ولم شملك وعائلتك وهكذا وإن ابتليت ببعض هذا تجد نفسك صابرا.. هذه هي الحياة الطيبة، ولكن أن يتصور الملتزم أن حياته بعد الإلتزام ستكون خالية من الشقاء وستكون مليئة بالبهجة الدائمة، فهذا لم يقل الله به ولم يخبرنا به رسول الله ﷺ.

من المحتمل أن يكون زوجك الملتزم المتدين الدارس للعلم الشرعي الحافظ لكتاب الله تعالى المحافظ على الصلوات بالمسجد سيء الطباع أو سيء المزاج، أو عاطلا عن العمل أو فقيرا أو غنيا ولكن بخيلا أو انطوائيا أو مكتئبا أو عصبيا أو لا يناسبك وأيضا من المحتمل أن تنفصلا لأي سبب غير مذكور! من المحتمل أن يتزوج بأخرى أو بأخرتين! وقد رأيتها شخصيا عندما أسلمت سيدة أمريكية لكي تتزوج من مسلم وعملت بالدعوة ثمانية أعوام ثم تزوج هو بعد ذلك بأخرى فتَرَكَتِ الدينَ بالكلية وكأن لسان حالها يقول (أهذا الدين هو سبب هذا الزواج الثاني؟ إذاً لا أريده بالكلية) وكأن آية التعدد لم تكن مكتوبة عندما تزوجته ثم أضيفت بعد ذلك مثلا! أو أنها أسلمت فقط إيمانا بهذا الرجل وليس إيمانا واتباعا لله! والله أعلم بالسرائر.

أيضا من المحتمل أن تقابل عالما أو قارئا للقرآن ثم تكتشف أنه ذليل المال ويستخدم علمه لجني المال، من المحتمل أو من المؤكد أن تجد من حولك من الملتزمين كلٌ منهم مبتلى بمعصية، فمنهم من ابتلي بداء حب الشهرة ومنهم من ابتلي بداء الفضول، أو البخل والشح أو الخداع أو شهوة النساء أو يعمل عملا فيه معصية كربا أو غيره....إلخ وأحيانا نصادف من سمته التدين وتجده يستخدم التعريض في كل كلامه فيصبح مدلساً وكذابا، وهكذا ولا تنتهي النماذج. 

فيجب أن يعلم الملتزم أننا كلنا في نفس اختباره فمنا من ينجح ومنا من يرسب وهكذا حتى الممات ولا ندري أنقبض على هذا الحال أم ذاك ولعياذ بالله.. ولكن أن يتصور أنه قد دخل عالَمًا من الملائكة فهذا ظلم له ولمن حوله وسوف يصطدم في النهاية سواء بالزوج-الزوجة-أخلاق الناس-ضيق العيش...إلخ فيُصدم ويقول في نفسه هؤلاء منافقون وأنا كنت أعيش وسط أناس عصاة ولكنهم لم يكونوا منافقين... ولكن الحقيقة أن العاصي إذا ستر نفسه كان أفضل عند الله من هذا الذي يجهر بمعصيته، ومن إلتزم بما يستطيع من الدين ولازال عنده من المعاصي أو حتى من الكبائر ما لم يتب منه أو يجاهده فهو أفضل ممن لا يريد أن يتوب أو أن يعترف أنه يذنب أصلا ويجاهر بجميع المعاصي.

والحل أن نرشده إلى حقيقة الحياة حلوها ومرها وابتلاءات الله تعالى لعباده بعد الهداية... وأن الجزاء الأوفى والراحة الأبدية في الجنة وأن الدنيا دار امتحان وبلاء وأن جنته في قلبه إذا خلى بربه وبَعُدَ عن الشهوات والشبهات وجاهد في الله حق جهاده.

(أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون، ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين) سورة العنكبوت ٢-٣

أرجو أن أكون قد وُفقت في هاتين النقطتين وأسأل الله أن نكون عونا لعباده على بصيرة حتى نلقاه.

Monday, August 13, 2018

فتزل قدم بعد ثبوتها ...


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،

بسم الله الرحمن الرحيم..

بعد ما رأينا الممثلة المعروفة حلا شيحة وقد رجعت إلى ما كانت عليه بعد التزام دام ١١ عاما أو أكثر ولا حول ولا قوة إلا بالله، وكانت أكثر التزاما (ولو ظاهريا) من أكثرنا.. فحدث حزن عميق عند من يعرفها ومن لم يعرفها.. حتى أني دعوت الله لها وطلبت من والدتي أن تفعل ذلك أيضا، لأن الأمر أن تراه بأم عينيك ليس بالأمر الهين، فنحن رأيناها تترك الساحة المسماة بالفنية بشكل تدريجي ثم عُرفت أنها تعطي دروسا للأخوات بالأخص من بنات طبقتها وقد حضرت لها زوجتي وتأثرَت بكلماتها أشد الأثر، وكانت تشهد لهذا الوسط الذي تركته بكل منكر، فهي لم تذكر أنه وسط نظيف أو يمكن لأحد أن يوازن بينه وبين دينه بل فضلت تركه بالكلية لما فيه من منكرات لا مفر من الوجود وسطها.. فكان لمن حضر لها أن تأثر بكلامها بل وكره هذا الوسط كله بعد ما كان فقط له عليه بعض التحفظات... وكان الجميع حتى ممن لم يتخذ خطوتها كان يفرح لها ويدعو لها بالقبول والثبات.

وأنا هنا أود أن أتكلم عن عدة أمور لنا وليس لها، فنحن لا نملك لها إلا الدعاء.

أولا: الثبات ليس فقط منة ومنحة من الله سبحانه وتعالى بل أيضا له أسباب.

ومن أسبابه الإفتقار لله والعلم الدائم أن الهداية ما هي إلا من عند الله سبحانه وتعالى، حتى أن رسول الله ﷺ لم يضمنها لنفسه وقد قال الله تعالى له (ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا) وقال تعالى (فاستقم كما أمرت ومن تاب معك ولا تطغوا...)

- ومن مزيلات حالة الإفتقار لله تعالى: شكر الناس فيك ومدحهم لتدينك وهو من المهلكات كما قال ﷺ عندما مدح صحابيُ تدين صاحبي آخر فقال له ﷺ "ويلك قطعت عنق أخيك (ثلاثا) من كان منكم مادحا لا محالة فليقل أحسب فلانا والله حسيبه ولا أزكي أحدا على الله)، فهذا المدح يؤدي إلى ثقة بالنفس وشيئا فشيئا يزيل عنك حالة الإفتقار ويحدث العُجب بالنفس.

- وأيضا من مزيلات حالة الإفتقار لله تعالى: العُجب بعد العبادة أو تحصيل العلم، فيمكن بعد تحصيل علم معين أو بعد ختمة لكتاب الله حفظاً أو غيره من التحصيل العلمي ينتابك العجب فتنسى من علمك هذا ثم ضف على هذا مدح الناس فيك تباعاً.

ثانيا: الثبات مثل ركوبك السيارة وأنت في سفر دائم أو وجودك على قارب في عرض البحر أو طائرة محلقة في الجو أو حفاظك على جسد سليم أو محاولتك للحفاظ على نجاح شركتك.

ما معنى هذا الكلام؟

- كثير منا يعتقد أن أسباب الدنيا لا علاقة لها بأسباب الآخرة... ولكن:

        من يريد أن يسافر بسيارة أو طائرة سفراً دائما يجب عليه ملأ السيارة بالوقود بشكل دوري والكشف على السيارة كذلك كل عدة آلاف من الكيلومترات، ويبقى متيقظا لألّا ينفد الوقود أو يتعطل شيء من السيارة وهو لا يدري فيؤدي ذلك لوقوفها وإيقاف الرحلة تباعاً! ثم بعد ذلك عدم الإلتفات إلى أي شيء يعوق حركته أو مساره في اتجاه هدفه.

        ومن يستقل قاربا ليبحر به في رحلة دائمة يجب عليه أن يكشف على القارب من حين لآخر وأن يكون على علم بحركة الرياح والأرصاد والطقص وحالة البحر والصيانة الدورية للقارب ويتصرف بناء على ذلك ولا يغفل وإلا فاجأه ما لم يكن يجهز له فيحدث ما لا يحمد عقباه! ثم عدم الإلتفات إلى أي شيء يعوق حركته أو مساره في اتجاه هدفه.

        وحفاظك على جسد سليم ليس نتاج اهتمام يوم وليلة أو حتى شهر أو سنة، بل هو عمل دائم مستدام، يجب عليك دوما أن تراقب حركتك ووضعية جلوسك وطعامك وشرابك وعاداتك....إلخ إلى أن تموت، فلا يوجد يوم تقول فيه ها أنا قد وصلت لما كنت أتمناه فاليوم لن ألعب الرياضة وسآكل ما يحلو لي ولن يتأثر جسدي! 

        ونجاح شركتك كذلك يطلب منك دراسة للسوق ومتغيراته والإقتصاد ومحدداته ومتغيراته وعلم الإدارة والإستعانة بالغير كمساعدة أو كاستشارة وسعي دائم وإلا أُغلقت شركتك كما شاهدنا شركات عديدة تغلق بسبب سكونها وسُباتها وعدم الوعي بما يحدث حولها والإكتفاء بالموجود.

وكذلك الأمر في الدين، فأنت في الدين كمن هو في رحلة دائمة، رحلة إلى الله تعالى، نهايتها الموت، وأنت لا تدري متى تأتي هذه النهاية فعليك بملأ الوقود والزاد الذي تحتاجه للرحلة بشكل دائم مستدام (وقل رب زدني علما) إذاً الزاد هنا هو العلم، ثم عليك بالإستشارة وطلب المساعدة (فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون)، والصحبة (واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم...)، ثم عليك بالمراجعة الدائمة (الصيانة الدورية) مثل حضور مجالس الذكر، الذهاب للمساجد، قراءة القرآن....إلخ ، ثم عليك بالوعي بالفتن حولك لكي تأخذ حذرك منها فلا تجلس في مكان شبهة أو وسط صحبة سيئة أو في عمل محرم فيُسلب دينُك وأنت لا تشعر، ثم عليك بعدم الإلتفات إلى أي شيء يعوق حركتك أو مسارك في اتجاه هدفك وهو "الله" سبحانه وتعالى. ومن المعوقات التي لا ينبغي لك أن تلتفت إليها وهي على ما أعتقد من المهلكات: الصحبة القديمة، عدم اعتزالك هذه الصحبة حتما من المهلكات.

إذاً يمكننا تلخيص النقاط السابقة فيما يلي:

١. الإفتقار إلى الله واستشعار فضله ومنه.

ومزيلاته: -العُجب الذي يأتي من مدح الناس. -العُجب بعد تحصيل العلم أو تحقيق عبادة.

٢. ملأ الوقود بشكل دائم والتزود غير المنقطع من أنواع العبادات المختلفة، الخفية منها والظاهرة.

٣. الصحبة الصالحة، فإن لم تجدها فعلى الأقل اعتزل الصحبة السيئة القديمة وإن انتهى بك الأمر أن تعيش وحيداً، فهذا دينك وإن علمت أن مجالسة بعض الناس سوف تجلب لك الفقر والإفلاس لاعتزلتهم فما بالك بدينك وهو أغلى عندك من المال؟.

٤. المراجعة الدورية، دُبر كل يوم، أسبوع، شهر..موسم (رمضان، حج.....إلخ)

٥. الوعي بما يحدث حولك من فتن فلا تقع فيها وأنت لا تشعر، وبإمكانك أن تسأل نفسك لو كان رسول الله أو أحد الصحابة الكرام مكاني ما الذي كان سيفعله؟

٦. عدم الإلتفات إلى أي شيء يعوق حركتك أو مسارك في اتجاه هدفك. (فإذا عزمت فتوكل على الله) ولا تلتفت إلى الوراء أو يمينا ويسارا.

٧. وأخيراً الدعاء (يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك) فلولا تثبيت الله لك ما ثبتَّ.

وأسأل الله سبحانه وتعالى أن نكون ممن يثبتهم الله بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة.

وأسال الله تعالى أن لا أكون من الذين يقولون ما لا يفعلون.. وهذا اجتهادي والله أعلم.

"وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ" سورة العنكبوت (٦٩)

Saturday, July 7, 2018

مشكلة بمساجد مصر تحتاج لحل!

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
يوجد ظاهرة لا أعرف كيفية حلها في المساجد بمصر، نجد جميعا كبار السن مشكورين يقومون على إدارة المسجد، متى يُفتح ومتى يُغلق، من يصلي بالناس ومن يؤذن ومن يقيم الصلاة....إلخ
وقد وجدت مهزلة في الأمور الثلاث الأخيرة: الإمامة، الأذان والإقامة.
أولا يوجد تقصير من الدولة من هذه الناحية، فلا تُعين الأوقاف مؤذنين للمساجد فيُترك الأمر للسكان المحيطين بالمسجد ثم تجد البواب أو عامل المسجد أو أحد السكان من كبار السن وللأسف جميعهم لا يؤذن بالأحكام اللغوية الصحيحة كمن يقول مثلا (اللهُ أكبرَ اللهُ أكبر) فضلا عن ردائة الصوت للأسف... وفكرت ملياً هل يستطيع أحد من الشباب أن يأخذ مسئولية الأذان في الخمس صلوات بدلا من  هؤلاء الأفاضل؟ فوجدت الإجابة بالنفي لأن حياتنا كشباب ليست مستقرة ككبار السن ممن يجلسون بالمنزل بسبب التقاعد عن العمل، فتجد منهم من يلتزم العام بأكمله للأذان لصلاة الفجر وهذا ليس بالأمر السهل... إذن هؤلاء الأفاضل لهم فضل كبير علينا بعد الله سبحانه وتعالى.. ثم نأتي للإمامة فأحيانا تجد من يقود الإمامة هو بواب المبنى المجاور للمسجد أو عامل المسجد وتجده جاهلا بأحكام التلاوة وأبسط قواعد اللغة العربية ولا حول ولا قوة إلا بالله..
السؤال هنا: كيف تُحَل هذه المشكلة مع الوضع في الإعتبار أولا أن الحوار مع كبار السن ليس بالأمر السهل بالأخص إذا جاء الإعتراض ممن في مثل أعمارنا وثانيا أنهم بالفعل ملتزمون بهذه الأمور ولم يُقصروا فيها، فعلى من يعترض على هذا الوضع أن يجد نظاما بديلاً مستداما وليس مؤقتاً.
إذا كان لدى أحدٍ من القراء المحترمين اقتراح فليقله متفضلا وإن لم يجد فأسألكم الدعاء لأن الحال لا يسر.

وجزاكم الله خيرا

Tuesday, June 5, 2018

النعمة التي لا نشعر بها

منذ عدة أعوام كنت أدرس بإنجلترا بمدينة لندن، وكنت أقيم بمنزل للطلبة تابع للكنيسة الألمانية وكان بها نزلاء من جميع الجنسيات كلهم طلبة دراسات عليا في جميع المجالات، وكانت التجربة ثرية جداً، رغم أني كنت أتجنب الحفلات والتجمعات الليلية ولكني كنت أتناول إفطاري مع الجميع، وكل يوم كان يجلس على طاولة الإفطار ثلاثة غيري (بحيث أن كل طاولة يجلس عليها أربعة) فكنت يوما أجلس مع الإفريقي، ويوما مع الألماني ويوما مع الأمريكي، ويوما مع الصيني ويوما مع المكسيكي أو التايواني، ويوما مع أكثر من جنسية، وحدث يوما أن جلسَت على الطاولة فتاة أمريكية، وكان من بروتوكولات المكان أنه يجب على الناس أن تتكلم على الإفطار كنوع من التقارب الثقافي، فكان كلُّ منا يفتح موضوعا عن بلده أو دراسته فبدأ الحديث عن ما تفعله الأمريكية فقالت بمنتهى الإعتزاز أنها تدرس لكي تساعد المحتاجين في أدغال أفريقيا فسألتها ولماذا تركت أمريكا ويتمنى العالم كله أن يهاجر إلى هناك، فقالت بنفس مستوى الإعتزاز أن الموضوع أكبر من الحياة في أمريكا بل التجربة نفسها تستحق أن تترك أمريكا من أجلها لأن الأمر له ابعاد إنسانية ونفسية أخرى ورسالة وقيمة للمهنة نفسها وما تفعله... ولك أن تتخيل أيها القارئ العزيز أنها تركت أمريكا لكي تعمل وسط أدغال أفريقيا ثم تركت أفريقيا لتدرس علماً يفيدها في عملها ثم ترجع مجددا إلى مكانها في أفريقيا.

موقف آخر، كنت في رمضان وفي طريقي من لندن لاستنبول ترانزيت ومن استنبول إلى القاهرة، وكنت أجري وأحمل حقيبة وأجر أخرى حتى وصلت الطيارة وكنت منهكاً فاستخرت أن أفطر لأن اليوم كان في بدايته ولي رخصة الإفطار، فجائت الوجبة فبدأت بالأكل وكان بجانبي تجلس فتاة قد أكلت أكلها وتركت سمكا مدخنا فقدمته لي على أنها لا تأكل اللحوم وأنها تأكل فقط الخضروات، وبدأ الحديث عن من أين أنا وإلى أين اذهب وما إلى ذلك، ثم سألتها نفس السؤال فقالت لي أنها إنجليزية تدرس الطب بجامعة غير معروفة بليڤرپول، فسالتها عن سبب سفرها إلى استنبول فأجابت أنها ستأخذ طائرة من استنبول إلى نيپال بسبب نتائج الزلزال هناك والذي أدى إلى حوادث خطيرة وقد أرسلتها كليتها لكي تؤدي التدريب الصيفي شهرا هناك وسط حالات خطرة ثم تعود إلى إنجلترا.

تعجبت أن غيرنا يسافر ويترك التنعم لكي يرى مِحَن غيره لكي يساعدهم سواء بدافع إنساني/ديني أو بدافع تعليمي وكلها إفادة، بينما يترك أهل هذه البلاد بلادهم لكي يسافروا أمريكا أو أوروبا من أجل حياة أفضل!

قد يقول أحد أن من يحيا حياة بها حرية واكتفاء مادي يكن عادة لديه هذا الإحساس، إحساس مساعدة الآخر، والدليل على ذلك أن مصر خلال فترة الثورة كان يذهب شبابها إلى غزة والصومال وغيرها للمساعدة، ولكن في أوقات الأزمات السياسية لا يملك نفس الإنسان أن يساعد غيره بسبب القمع وقلة المال والإحباط العام.

إذاً ما العمل للخروج من هذه الدائرة؟ أننتظر أن ينصلح حال البلد حتى نساعد ملايين الفقراء الذين حولنا، أم أن نسارع بالسفر كما يتمنى الكثير منا ويعمل على ذلك، أم أن يكون كل همنا هو "البقاء" كحلم كل من يعيش في أي دولة قمعية فقيرة؟

الإجابة يستطيع أن يجيبها كل واحد منا على حدة، ولكن إذا كان لدينا شيء نقدمه فلا يجب أن نتأخر. وليكن من باب التعليم  والخبرة إن لم يكن من باب الإنسانية أو الدين.

Monday, June 4, 2018

ما أؤمن به وأدعو إليه

إذا كنت لست ممن يهتمون بالعمارة (الهندسة المعمارية) فلا أعلم حقيقةً هل ستحب هذه التدوينة أم لا، وتذكر أني حذرتُكْ!

بدايةً أود أن أقول لماذا أتكلم عن ما أؤمن به وأنا الآن شخص عادي لا يعرفني أحد ولماذا لا أنتظر حتى النجاح والشهرة حتى أتكلم:

أرى أنه ليس من البطولة أن أدعو إلى ما أؤمن به وأنا قوي، فلا شك أنني عندما أكون قويا سيسمعني الناس بسبب قوتي، ونلاحظ أن الله تعالى لم يُنزل الرسالة على الأنبياء ليبشروا الناس بها وهم في موقع السلطة والقوة، بل تأتي القوة والسلطة بعد ما يدعون إلى ما يؤمنون به وهم ضعفاء لا يتبعهم إلا الضعفاء ثم بعد ذلك تأتي السلطة والقوة ولا يتغيروا بل ويكون الإختبار الحقيقي لما كانوا يدعون إليه وهم ضعفاء ... وأحيانا لا تأتيهم القوة ويموتون وهم في منتصف الطريق وبلا عدد كبير من المؤمنين برسالتهم. ومن مميزات الدعوة إلى الله في وقت الضعف أن الإنسان يدعو بقلبٍ خالصٍ لله (أو للفكرة) لا تشوب دعوته زخرف الحياة الدنيا بل هو مستعد أن يموت وهو على الطريق وإن لم يحقق شيئا فقط لإيمانه بهذه الدعوة وعلى من يأتي بعده ويؤمن بما آمن به أن يكمل طريقه.

إذاً ما الذي أؤمن به؟ وأسأل الله تعالى أن يقر عيني به في الدنيا قبل الآخرة وأن يصبح إرثا تتوارثه الأجيال يؤمنون به ويطورون عليه.

ما أؤمن به:
١. أن العمارة ليست منقسمة إلى تصميم وما بعد التصميم، بل هي العمارة، بداية من الفكرة حتى انتهاء المبنى وشغله وتقييمه.

٢. أن حصر المعماري في كلمة مصمم هي انتقاص من امكانياته العديدة الأخرى كقدرته على إدارة باقِ الإدارات الهندسية كسباكة وميكانيكا وإنشائية وكهرباء وغيرهم، فالمعماري هو الوحيد القادر على أن يفهم كل هؤلاء ويعطي حلولا لهم جميعا بما لا يعارض العملية التصميمية.

٣. أن دخول حديثي التخرج في العملية التصميمية فور تخرجهم والوقوف عندها بدون أن يمروا على باقية مراحل التصميم من تطوير التصميم والرسومات التنفيذية ثم الإطلاع على رسومات الورش ثم فهم الموقع وآلياته والمواد المستخدمة، كل ذلك يعد من صميم المهنة ويحتاجها المعماري للتصميم وحصره في أي مرحلة من المراحل لا يجعله معماريا بل يجعله خبيرا يمكنه أن يعمل في مؤسسة في هذا القسم ولكنه لا يملك مهارة التصميم المتكامل، وهو ما يحتاجه لكي يصبح معماريا حقيقيا. ولنا في تجربة رِنزو پيانو في مكتب لوِي كان وقد كان يعمل (معماري مشروع)، وأيضا في تجربة ريتشارد روچرز وخبرته في إس أو إم، ونورمان فوستر وخبرته كرسام خير مثال لمدى أهمية الخبرة مع وجود باقِ المهارات الفنية.

٤. أن ما يسمى بالتصميم البيئي ليس مرحلةً من مراحل التصميم أو معطيات من معطيات التصميم، ولا هو بحد ذاته هو التصميم، بل هو علم نقصانه يمكنه أن يدمر أي تصميم ذي شكل جميل، ولكن الإهتمام بالبيئة فقط وتجاهل الأبعاد الإنسانية والفنية والعمرانية والثقافية والتاريخية والمادية بل والكيميائية أحيانا جميعهم في الأهمية سواء.

٥. أن المعماري ليس نِداً لباقي الأقسام بل هم جميعا يعملون مع بعضهم البعض بشكل تكاملي كفريق يعزف سيمفونية بقيادة مايسترو واحد لا أحدَ نداً لآخر.

٦. أن على المعماري أن يفهم ما يرسمه قلمه، فلا يكون كمن يصمم سيارة وهو لا يعرف حجم ونوع الموتور والأسس الميكانيكية لوجود الموتور، فجمال التصميم يأتي بتحقيق إمكانية تنفيذه لا أن يكون غيرَ مدروس فيأتي فلان أو عِلان من الأقسام الأخرى فيغير ما فعله المعماري، بل كان الأولى أن يعلم المعماري في علوم الأقسام الأخرى لكي يستبق هذه المرحلة ويقطع الطريق على من يريد أن يغير تصميمه بل ويعطي له أحيانا خيارات، وإن لزم الأمر فيكون باجتماع الفريق أو بعض منه لكي يستفيد الجميع من خبرة الآخر.

٧. هذا ليس معناه أن المعماري يتخلى عن ما تعلمه وعن ما يؤمن به من نواحي فنية ولكن أن يأخذ من كل قسم خبرته وأن يعلم أن الناحية الفنية تمثل عشرة بالمائة من العملية التصميمية.

٨. العمارة في العالم العربي ضعيفة جدا وهي أقرب إلى الجسد الميت ويحييها العلم والعلم الذي يأخذه الطالب في الوطن العربي علم ضعيف جدا وناقص، ولكنه يكتمل عن طريق عدة أشكال:

أولا، عمل دراسات عليا ويُفضل خارج الوطن العربي حيث الجامعات التي تصدر العلم لا التي ليس لها مكاناً في عالم البحث العلمي.
ثانيا، عن طريق حضور ورش عمل إن لم يستطع الأولى ولكن الدراسات العليا لها فائدة كبرى من وجهة نظري أكبر من الرسالة الأخيرة أو ما يتعلمه الطالب ألا وهي معرفته بأدوات البحث العلمي والذي سوف يساعده بعد انتهاء الماچيستير في قراءاته وبحثه بشكل عام.
ثالثا، أن يحاول أن يقرأ ويشاهد ڤيديوهات تعليمية لكي لا يكون بعيدا عن ما يحدث بالخارج.. وهذا أضعف الطرق.

نعم، إن اتبعنا هذا الطريق سنكتشف أن علم العمارة مثل الطب، يلزمه سنوات من الخبرة والبحث والدراسات العليا والإختبارات حتى تصبح معماريا... هل هذا كلامي؟ لا، ليس كلامي بل في أي بلد متقدم إن قلت أنك معماري يُفهم فورا أنك خبرة ٨ سنوات على الأقل أو أكثر بسبب الخبرات المذكورة أعلاه وبسبب الإختبارات التي مررت بها لكي تكتسب هذا اللقب عن طريق المؤسسات المخولة بذلك ولكن أن تمارس المهنة فور تخرجك لأنك أصبحت عضوا بنقابة المهندسين عضوية أبدية هذا هو قمة الظلم لك قبل أن يكون ظلما للمجتمع.