Thursday, November 19, 2015

مشهد يلخص القصة (٢)

منذ حوالي خمسة سنوات كنت أصلي العصر في رمضان في مسجد بالمعادي وكان بالمسجد كالعادة بعد العصر بعض العمال الذين أنهكهم التعب والعمل طوال اليوم ويريدون أن يأخذوا قسطا من الراحة، فنام البعض واتكأ البعض تحت هواء المراوح والتكييفات. ثم ظهر فجأة لواء جيش متقاعد وهو عضو بمجلس إدارة المجلس يصرخ في النائمين "إيه المنظر ده، يا فلان اقفل المراوح والتكييفات وقَوّم الناس اللي نايمة دي" ! استأت جدا من الموقف، فهل المسجد مِلك هذا اللواء المتقاعد ؟ وهل هو من يدفع فاتورة الكهرباء من جيبه ؟

وكان يشاهد هذا الموقف معي شيخ المسجد، فقلت له بصوت منخفض: "هل المسجد مِلكٌ لأحد؟ لماذا يأمر وينهى في بيت الله، هو لهم مثلما هو له" فأجاب الشيخ "لمِ لا تقل له هذا الكلام ؟" ومن قبل أن أرد عليه، ناداه "يا سيادة اللواء، المهندس علي كان عاوز يقول حاجة"، ووُضعت في موقف سخيف مع شخص في مقام جدي ! فتوجه إليّ بنبرة حادة ونظرة تساؤل باستنكار "نعم؟" فقلت له "هل المسجد مِلكٌ لأحد لكي نعطي أوامر ونواهي ونجبر المصلين على الاستيقاظ من النوم في بيت الله!" فقال لي "وانت عاجبك المنظر ده؟ كل واحد واخد راحته ع الآخر ولا كأنه ف بيتهم!" فأجبته "وهل هذا منهي عنه في الإسلام ؟ أولم يكن الصحابة يستخدمون المسجد على هذا النحو ؟" فقال لي متعجبا: "هو كل حاجة حلال وحرام؟ ده اللي انتو فالحين فيه، مش كل حاجة حلال ينفع تتعمل ومش كل حاجة تتحسب بالحلال والحرام" فأجبت "بل كل شيء يقاس بالحلال والحرام"، فقال لي "وهل لو بصقت في الشارع هل هذا حلال أم حرام" فقلت "بل هو ليس من الدين ومنهي عنه والدين لم يترك شيئا إلا وتكلم عنه"، ثم نظر إلى باقي المصلين المسنين بالمسجد ويقول لهم هذا الجيل عجيب وعنده كل شيء بالحلال والحرام، فنظر إليه بعضهم نظرات دعم لوجهة نظره وتعجب من أمر هذا الجيل العجيب وينظرون إليّ بتعجب وشفقة، ثم صرخ اللواء المتقاعد في وجه أحد عمال المسجد "لطفي، هاتلي مصحف".